فصل: المسألة الثانية: (في سبب نزول الآية):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل [في الغنى بالحق]:

قال: الدرجة الثالثة: الغنى بالحق وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: شهود ذكره إياك.
والثانية: دوام مطالعة أوليته.
والثالثة: الفوز بوجوده أما شهود ذكره إياك فقد تقدم قريبا وأما مطالعة أوليته فهو سبقه للأشياء جميعا فهو الأول الذي ليس قبله شيء قال بعضهم: ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله فإن قلت: وأي غنى يحصل للقلب للقلب من مطالعة أولية الرب وسبقه لكل شيء ومعلوم أن هذا حاصل لكل أحد من غني أو فقير فما وجه الغنى الحاصل به قلت: إذا شهد القلب سبقه للأسباب وأنها كانت في حيز العدم وهو الذي كساها حلة الوجود فهي معدومة بالذات فقيرة إليه بالذات وهو الموجود بذاته والغني بذاته لا بغيره فليس الغنى في الحقيقة إلا به كما أنه ليس في الحقيقة إلا له فالغنى بغيره: عين الفقر فإنه غني بمعدوم فقير وفقير كيف يستغني بفقير مثله وأما الفوز بوجوده فإشارة القوم كلهم إلى هذا المعنى وهو نهاية سفرهم وفي الأثر الإلهي: ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ومن لم يعلم معنى وجوده لله عز وجل والفوز به: فليحث على رأسه الرماد وليبك على نفسه والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (61):

قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين الصنفين السالفين، وختم أمرهما بصفتي العلم والحكمة، أتبعهما بصنف آخر يؤذي بما يجعله نقصًا في صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فليزم الطعن في علم مرسله وحكمته فقال: {ومنهم الذين يؤذون النبي} أي الذي أعلى الله مقداره، فهو ينبئه بما يريد سبحانه من خفايا الأسرار؛ ولما أخبر بمطلق الأذى الشامل للقول والفعل، عطف عليه قوله: {ويقولون هو} أي من فرط سماعه لما يقال له {أذن} ومرادهم أنه يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد- كما سمي الجاسوس عينًا؛ قال أبو حيان: كان خذام بن خالد وعبيد بن هلال والجلاس بن سويد في آخرين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه فيوقع بنا، فقال الجلاس: بل نقول ما شئنا فإن محمدًا أذن سامعة، ثم نأتيه فيصدقنا، فنزلت، وقيل غير ذلك.
رجل أذن- إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع- انتهى.
ومرادهم أنه صلى الله عليه وسلم لا يعرف مكر من يمكر به وخداع من يخادعه وكذبوا، هو أعرف الناس بذلك، ولكنه يعرض عند المصالح، لا يليق بمحاسن الدين غيرها، بينها تعالى بقوله: {قل أذن خير} ثم بين أن نفع ذلك عائد إليهم بقوله: {لكم} ثم فسر ذلك بقوله: {يؤمن} أي يوقع الإيمان للملائكة الذين يأتونه عن الله من التكذيب بأن يصدقهم معترفًا {بالله} أي بسبب ما يخبرونه عنه به حق الإيمان لما له من كمال العلم بما له سبحانه من صفات الجلال والإكرام؛ وحاصله أن فعل الإيمان ضمن فعل التصديق ثم حذف وانتزعت منه حال أقيمت مقامه ثم حذفت وأتى بصلة تدل عليها كما قالوا في قوله تعالى: {ولتكبروا الله على ما هداكم} [البقرة: 185] أن التقدير: حامدين على ما هداكم، فالتقدير هنا: يؤمن مصدقًا بالله، فهدذا حقيقته وهو يثمر محبة المؤمنين وولايتهم، ولذا أتبعه قوله: {ويؤمن للمؤمنين} أي الراسخين، يوقع الإيمان لهم من التكذيب بأن يصدقهم في كل ما يخبرونه به مما يحتمل التصديق، وذلك لأجل مصالحهم والتأليف بينهم مع ما ثبت من صدقهم، فإنه لو حملهم على عقله ومبلغ علمه يحبه الكاذب وعاقب الخائن بمجرد علمه وتفرسه، لقصرت عن ذلك غالب الأفهام وتاهت بسببه أكثر الأوهام، فنفرت القلوب ووقع من الأغلب الاتهام.
ولما كان التصديق بوجود الإله على ما له من صفات الكمال المقتضي للأمر والنهي عدي بالباء، وهنا كان التصديق إنما هو للإخبار بأيّ شيء كان عدي باللام وأشير- بقصر الفعل وهو متعد- إلى مبالغة في التصديق بحيث كأنه لا تصديق غيره.
ولما بين سبحانه أن تصديقه ظاهرًا وباطنًا إنما هو للراسخين في الإيمان، بين أن تصديقه لغيرهم إنما هو الظاهر فقال: {ورحمة} أي وهو رحمة {للذين آمنوا} أي أظهروا الإيمان بألسنتهم {منكم} فهو- والله أعلم- إشارة إلى المنافقين ومن في حكمهم ممن جزم لسانه وقلبه مزلزل، أي أن إظهار تصديقهم قبولًا لما ظهر منهم وستر قبائح أسرارهم سبب للكف عن دمائهم، وإظهار المؤمنين لمقتهم ربما كان ذلك سببًا لصدق إيمانهم بما يرون من محاسن الإيمان بتمادي الزمان، ولا يستبعد كون التعبير بالماضي إشارة إلى المنافقين لاسيما بعد التعبير باسم الفاعل، فقد قال الإمام أبو الحسن الحرالي في كتابه المفتاح ما نصه: الباب الرابع في رتب البيان عن تطور الإنسان بترقيه في درج الإيمان وترديه في درك الكفران: اعلم أن الله محيط بكل شيء خلقًا وأمرًا أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا وهو حمده، وله علو في ظهور أمره وكبير خلقه، واحتجاب في مقابل ذلك من خلقه وأمره بما أبداه من حكمته وأسباب هداه وفتنته، وذلك العلو هو إلهيته، والاحتجاب هو ملكه، وبينهما إقامة كل خلق لما خلق له وتأييد كل أمر من الأمرين لما أقيم له، وذلك هو ربانيته ولكل فتق من خلفه وأمره رتق سابق.
ولكل تفاوت سواء، وذلك هو رحمانيته، ولكل أقرب في مدد الحجاب اختصاص وذلك هو رحيميته، ولكل أبعد في مدد الحجاب بطش منه شديد في رده إلى القرب وتلك هي نقمته، ولكل من تنزلاته العلية ظاهرًا وباطنًا أمر خاص، ولكل أمر خلق، يرد بيان القرآن لكل خلق بحسب كنه ذاته واختصاص رتبة قربه ومحل بعده، وأن الله سبحانه جعل آدم وذرأه خليفة له في جميع أمره وتفصيله، وأنزل القرآن بناء على جملة ذلك، فأردأ الأحوال لهذا المستخلف المحل الذي سمي فيه بالإنسان، وهو حيث أنس بنفسه وغيره ونسي عهد ربه، فيرد لذلك بناؤه بالذم في القرآن {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17] {إن الإنسان لربه لكنود} [العاديات: 6] ثم المحل الذي تداركه فيه تنبه لسماع الزجر من ربه، وهو له بمنزلة سن الميّز لابن سبع، ولا يقع إلا عن اجتماع وتراء، وذلك هو السن المسمون فيه بالناس لنوسهم، أي ترددهم بين سماع الزجر من ربهم وغلبة أهوائهم عليهم، فيرد لذلك بناؤهم بذم أكثرهم في القرآن {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الأعراف: 187]- {ولا يشكرون} ثم المحل الذي يتحقق لهم قبول وسماع وإيمان لغائب الأمر والخلق، لكنهم يتزلزلون عنه كثيرًا عند كل عارضة نيل خادعة رفعة، وهو لهم بمنزلة سن المحتلم الذي قد ذاق طعم بدو النطفة من باطنه الناجم العقل للنظر في حقائق المحسوسات، وذلك هو السن الذي يسعون فيه {الذين آمنوا} وهو أول سن التلقي، فلذلك جميع آداب القرآن وتعليمه إنما مورده أهل هذا السن، كان ابن مسعود- رضى الله عنهم- يقول: إذا سمعت الله عز وجل يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأعرها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهي عنه، وكما أن ما يخص البالغ العاقل من الخطاب لا يدخل فيه الصبي المميز، وما يخص المميز لا يدخل فيه البالغ، كذلك خطاب {الذين آمنوا} لم يصل إليه الناس بعد، وخطاب الناس قد جاوزه {الذين آمنوا} لأنهم قد انزجروا بما قبلت قلوبهم عما ينزجر عنه الناس، وقد ائتمروا بما يأتمر به الناس؛ وهذه الأسنان الخالية عند أولي البصائر، وخاص خطابها أشد ظهورًا من أسنان الأبدان عند أصحاب الأبصار، وعدم التبصرة بهذه المراتب في الأحوال والبيان هي أقفال القلوب المانعة من تدبر القرآن، وكذلك ما فوق سن الذين آمنوا من سن {الذين يؤمنون} وهم في أول حد القرب منزلة بلوغ الأشد، وسن {الذين آمنوا} و{الناس} في مدد حد البعد ولذلك يخاطبون بحرف يا المرسلة إلى حد البعد: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله} [الصف: 10] وفوق ذلك سن المؤمنين وأدنى قربًا، ولذلك لم يرد في القرآن في خطابهم {يا} البعد، وهذا السن بمنزلة الاكتهال وسن الشيب، وتمام سنهم {المؤمنون حقًا} وكذلك إلى سن {المحسنين} إلى غيب سن {الموقنين} إلى ما وراء ذلك، فإن أسنان الجسم أرابيع، وأسنان القلب أسابيع، يعرفها من تطور فيها، ويجهلها من نبت سن قلبه على الجهل وتطور سن جسمه إلى الهرم «يهرم ابن آدم ويشيب منه اثنتان: الحرص والأمل» فالحرص فقره ولو ملك الدنيا، والأمل همه وتعبه، فمن لم يتحقق أسنان القلب وتفاوت خطابها لم ينفتح له الباب إلى فهم القرآن، ومن لم يتضح له تنزلات الخطاب لم يبن له خطاب الله من خطاب الرحمن من خطاب الملك الديان- انتهى.
ولما بين ما لمن صدقه باطنًا أو ظاهرًا من الرحمة، بين ما على من كذبه فآذاه من النقمة فقال: {والذين يؤذون} أي هؤلاء ومن غيرهم {رسول الله} أي الذي أظهر- وهو الملك الأعلى- شرفه وعظمته بالجمع بين الوصفين وأعلاه بإضافته إليه، وزاد في رفعته بالتبير باسمه الأعظم الجامع، وهو واسطة بين الحق والخلق في إصلاح أحوالهم فإنما يستحق منهم الشكر والإكرام لا الأذى والإيلام.
ولما كان أذاهم مؤلمًا جعل جزاءهم من جنسه فقال: {لهم عذاب أليم} ثم علل ذلك باستهانتهم بالله ورسوله، وأخبر أنهم يخشون على دمائهم فيصلحون ظواهرهم حفظًا لها بالأيمان الكاذبة فقال: {يحلفون بالله}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}
اعلم أن هذا نوع آخر من جهالات المنافقين وهو أنهم كانوا يقولون في رسول الله أنه أذن على وجه الطعن والذم، وفي الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في قراءة قوله: {أذن}]:

قرأ عاصم في رواية الأعمش وعبد الرحمن عن أبي عكرمة عنه {أُذُنُ خَيْرٍ} مرفوعين منونين، على تقدير: إن كان كما تقولون إنه أذن.
فأذن خير لكم يقبل منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم، والباقون {أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} بالإضافة، أي هو أذن خير، لا أذن شر، وقرأ نافع {أَذِنَ} ساكنته الذال في كل القرآن، والباقون بالضم وهما لغتان مثل عنق وظفر.

.المسألة الثانية: [في سبب نزول الآية]:

قال ابن عباس رضي الله عنه: أن جماعة من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي من القول فقال بعضهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما نقول، فقال الجلاس بن سويد: بل نقول ما شئنا، ثم نذهب إليه ونحلف أنا ما قلنا، فيقبل قولنا، وإنما محمد أذن سامعة، فنزلت هذه الآية.
وقال الحسن: كان المنافقون يقولون ما هذا الرجل إلا أذن، من شاء صرفه حيث شاء لا عزيمة له.
وروى الأصم أن رجلًا منهم قال لقومه إن كان ما يقول محمد حقًا، فنحن شر من الحمير فسمعها ابن امرأته، فقال: والله إنه لحق وإنك أشر من حمارك، ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال بعضهم: إنما محمد أذن ولو لقيته وحلفت له ليصدقنك، فنزلت هذه الآية على وفق قوله.
فقال القائل: يا رسول الله لم أسلم قط قبل اليوم، وإن هذا الغلام لعظيم الثمن علي والله لأشكرنه ثم قال الأصم: أظهر الله تعالى عن المنافقين وجوه كفرهم التي كانوا يسرونها لتكون حجة للرسول ولينزجروا.
فقال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} ثم قال: {وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبى} ثم قال: {وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله} إلى غير ذلك من الأخبار عن الغيوب، وفي كل ذلك دلائل على كونه نبيًا حقًا من عند الله.

.المسألة الثالثة: [في كيفية اقتضاء المعاني المذكورة في الآية للخيرية]:

اعلم أنه تعالى حكى أن من المنافقين من يؤذي النبي، ثم فسر ذلك الإيذاء بأنهم يقولون للنبي أنه أذن، وغرضهم منه أنه ليس له ذكاء ولا بعد غور، بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع، فلهذا السبب سموه بأنه أذن، كما أن الجاسوس يسمى بالعين يقال: جعل فلان علينا عينًا، أي جاسوسًا متفحصًا عن الأمور، فكذا ههنا.
ثم إنه تعالى أجاب عنه بقوله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} والتقدير: هب أنه أذن لكنه خير لكم وقوله: {أُذُنُ خَيْرٍ} مثل ما يقال فلان رجل صدق وشاهد عدل، ثم بين كونه {أُذُنُ خَيْرٍ} بقوله: {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ} جعل تعالى هذه الثلاثة كالموجبة لكونه عليه الصلاة والسلام {أُذُنُ خَيْرٍ} فلنبين كيفية اقتضاء هذه المعاني لتلك الخيرية.
أما الأول: وهو قوله: {يُؤْمِنُ بالله} فلأن كل من آمن بالله خائفًا من الله، والخائف من الله لا يقدم على الإيذاء بالباطل.
وأما الثاني: وهو قوله: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} فالمعنى أنه يسلم للمؤمنين قولهم والمعنى أنهم إذا توافقوا على قول واحد، سلم لهم ذلك القول، وهذا ينافي كونه سليم القلب سريع الاغترار.
فإن قيل: لم عدى الإيمان إلى الله بالباء وإلى المؤمنين باللام؟
قلنا: لأن الإيمان المعدى إلى الله المراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر، فعدى بالباء، والإيمان المعدى إلى المؤمنين معناه الاستماع منهم والتسليم لقولهم فيتعدى باللام، كما في قوله: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: 17] وقوله: {فَمَا ءامَنَ لموسى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} [يونس: 83] وقوله: {أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} [الشعراء: 111] وقوله: {ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لكم} [الشعراء: 49].
وأما الثالث: وهو قوله: {وَرَحْمَةٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ} فهذا أيضًا يوجب الخيرية لأنه يجري أمركم على الظاهر، ولا يبالغ في التفتيش عن بواطنكم، ولا يسعى في هتك أستاركم، فثبت أن كل واحد من هذه الأوصاف الثلاثة يوجب كونه {أُذُنُ خَيْرٍ} ولما بين كونه سببًا للخير والرحمة بين أن كل من آذاه استوجب العذاب الأليم، لأنه إذا كان يسعى في إيصال الخير والرحمة إليهم مع كونهم في غاية الخبث والخزي، ثم إنهم بعد ذلك يقابلون إحسانه بالإساءة وخيراته بالشرور، فلا شك أنهم يستحقون العذاب الشديد من الله تعالى.